Thursday, April 26, 2018

- مقلات ما قبل 2011 أوباما – الخطاب الأعور






                                                              بقلم/ سمير الأمير
كنت قد كتبت مقالا مطولا بعنوان "ا إمبراطورية الشر الجديدة" نشرته جريدة القاهرة منذ أكثر من عامين، رصدت فيه تاريخ الولايات المتحدة وتاريخ علاقاتها بالعالم ولا سيما منطقتنا العربية وقد لاحظت أن الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة لا تتغير بتغير الرؤساء و قارنت بين بوش الأب والابن وسياسات كارتر وكلينتون على اعتبار أن الأول والثانى يمثلان أسلوبا فى التعامل مع القضايا الدولية ومع بؤر الصراع مختلفاً عن الأسلوب الذى اتبعه الثالث والرابع، وخلصت إلى أن قبضة كارتر الحريرية لا تختلف عن قبضة بوش الحديدية، وأن الهيمنة والسيطرة والتصرف كإمبراطورية عظمى تحمل رسالة أسمى ينبغى على كل الشعوب أن تنصاع لها وأن تتوافق معها هو أساس سياسة الولايات المتحدة، وقد تأكد لى نفس الموقف حين تابعت خطاب السيد أوباما للعالم الاسلامى والذى اختار القاهرة تحديدا لكى تكون المكان الذى تنطلق منه رسالته، الأمر الذى لا يمثل فى تقديرى أى انعطافا ناحية تأييد القضايا العربية، كما أنه لا يمثل أى تغيير فى السياسة الأمريكية تجاه شعوب تلك المنطقة التى ابتلاها الله بثرواتها وبموقعها فصارت مطمعا لكل الإمبراطوريات الكبرى منذ فجر التاريخ،
    فالسيد أوباما جاء ليتحدث عن النتائج متجاهلا الأسباب وهى تعمية تستدعى الانتباه وتنطوى على ذكاء يتمتع به الرئيس الجديد للولايات المتحدة، هذا الذى جاء به الديموقراطيون وبمساعدة قطاعات كبيرة من الجمهوريين ليس حبا فى قيم الحرية ولكن إنقاذا لهيبة الولايات المتحدة التى أصبحت صورتها بشعة حتى عند أصدقائها وبعد أن بلغ العداء لها حدا يهدد بتقويض تلك الإمبراطورية التى تدعى أنها حارسة الحرية وحقوق الإنسان،
  تحدث أوباما عن الإرهاب دون أدنى إشارة للأسباب التى أدت إليه والتى كانت صناعة أمريكية بامتياز، لأنه من المعروف أن فشل مشاريع السلام بالإضافة إلى الدعم اللا محدود للصلف والعدوان الإسرائيلى هما الركيزتان الأساسيتان اللتان قامت عليهما دعاية الحركات الإسلامية المتطرفة التى بدت للمواطن وكأنها هى الوحيدة المقاومة والمدافعة عن الحقوق العربية، ناهيك عن الدور الأساسى للولايات المتحدة فى دعم الإرهاب المتأسلم كجزء من الحرب الباردة، لقد كان الأولى بأوباما أن يعترف ببشاعة الدور الذى قامت به بلاده فى تهديد السلام وإشعال الحروب وإطلاق عفريت " صراع الحضارات" وتسمية حروبها الأخيرة " الحروب الصليبية الجديدة"

    والدليل الثانى على أن أوباما لم يأت بجديد يختلف عن سياسة الرئيس السابق سوى فى الأسلوب فقط هو موقفه الغريب من الحرب على العراق فقد تبنى فى خطابه نفس موقف اليمين الأمريكى متحدثا عن أن العراق أصبح فى وضع أفضل بعد صدام حسين ولم يعتذر حتى للشعوب الإسلامية عن سقوط ما يناهز المليون عراقى ضحية للحصار الطويل وللحرب التى قال أنها أنقذت العراقيين من الدكتاتورية،  ولكنه تحدث بأسف وحزن عن اندلاع الصراع السنى / الشيعى مرتديا مسوح الرهبان والأبرياء وكأنه يجهل ما تفعله بلاده كل يوم لإذكاء جذوة هذا الصراع،

 وبعد ذلك أكد الرئيس الأمريكى على تعاطفه مع الشعب اليهودى مذكرا بالمحرقة وغرف الغاز ورقم الستة ملايين يهودى الذين راحوا ضحية الاضطهاد النازى، ولعلنا جميعا لاحظنا هذا التأكيد على ذكر الرقم، وكان يمكن أن يكون ذلك طبيعيا لو أنه كرسول للسلام تحدث عن الرقم الذى لا نعرفه لعدد المشردين وللاجئين الفلسطينيين والباكستانيين والأفغان لكى يتأكد لنا أن الرجل جاء ليبشرنا بهذا الانعطاف التاريخى للسياسة الأمريكية ناحية حقوق الشعوب وكرامة الإنسان كما يحلو للقادم الجديد أن يقول، وأيضا لم يتحدث الرئيس أوباما عن الحرب الأخيرة على غزة وعن استخدام إسرائيل الحليف الاستراتيجى للولايات المتحدة لأسلحة محرمة دولياً،  ولم يتألم ضميره لحرب الإبادة التى شنتها إسرائيل وتشنها على الشعب الفلسطينى وعلى الشعوب العربية منذ تأسيسها ولكنه تحدث عن الصواريخ التى تطلق من داخل إسرائيل وتقتل الإسرائيليين، الأمر الذى بدا لى غير مفهوم فهل غزة جزء من إسرائيل؟ لم يتحدث أيضا عن الأسباب التى أدت لتصنيع تلك الصواريخ البائسة، لم يتحدث عن الدور الذى لعبته أمريكا فى حصار قطاع غزة بسب اختياره الديموقراطى لحماس عبر عملية انتخابية كان الرئيس جيمى كارتر من ضمن الذين أشرفوا عليها،

 ولكى لا أكون متحاملا على الرجل ينبغى الاعتراف بأنه يذكرنا بمارتن لوثر كنج ولكن تماما كما تذكرنا الورود الصناعية بزهور الحديقة الطبيعية اليانعة، لأن خطابه الذى حمل نبرة الحرية والإنسانية كان خطاباً أعورا، يفتح إحدى عينيه على حقائق ويغلق الأخرى لكى لا يرى بقية الصورة، أما الموقف من إيران الذى بدا ايجابيا ومختلفا عن المواقف السابقة للولايات المتحدة فينبغى أن نفهمه على حقيقته وهى اعتراف الولايات المتحدة بالدور الذى تلعبه إيران فى المنطقة واعترافها أيضا بالمصالح الإيرانية وباستعدادها للتعاون مع إيران، ولعل النقطة الايجابية أيضاً فى خطاب أوباما هو اعترافه بدور أمريكا فى الانقلاب على حكومة مصدق ولكن كما أسلفت فإنه يجتزئ الأشياء ولا يكملها ومن ثم لا يعترف بدور الولايات المتحدة فى دعم الدكتاتوريات وإسقاط ديموقراطيات أخرى فى بلدان أخرى،
  وأخيرا، أود أن أقول أن أوباما أو غيره هو مجرد رئيس من رؤساء ذهبوا ورؤساء سيأتون ولكن السياسة الأمريكية تكاد فى تقديرى تكون واحدة، ربما تتغير فى أسلوب العلاقات مع الدول الصغيرة فتختفى القطع المحمولة على الأسطول وتعود سياسة التعاون الدولى، لكن النتيجة واحدة والهدف واحد وهو السيطرة والهيمنة وتبعية تلك الدول للإمبراطورية ومن ثم لا تصدقوا كثيرا ما جاء فى خطاب أوباما من أنه يقبل الاختلاف، أو ربما كان هذا موقفه الشخصى ولكن علينا إذن أن نعرف أن المواقف الشخصية للرؤساء الأمريكيين تلعب دورا ضئيلاً فى الخطوط العامة للسياسة الدولية. 


------ يونيه 2009/ جريدة القاهرة

No comments: